فصل: فصل إذا وطئا في طهر فأتت بولد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 الباب السادس في مسائل منثورة تتعلق بأدب القضاء والشهادات والدعاوي

لأنها يتعلق بعضها ببعض يوم الجمعة كغيره في إحضار الخصم مجلس الحكم لكن لا يحضر إذا صعد الخطيب المنبر حتى شهد اثنان أنه غصت كذا أو سرقه غدوة وآخران أنه غصبه أو سرقه عشية تعارضتا ولا يحكم بواحدة منهما بخلاف ما لو شهد واحد هكذا وآخر هكذا حيث يحلف مع أحدهما ويأخذ الغرم لأن الواحد ليس بحجة فلا تعارض‏.‏

شهد واحد على إتلاف ثوب قيمته ربع دينار وآخر على إتلاف ذلك الثوب بعينه وقال قيمته ثمن دينار يثبت الأقل وللمدعي أن يحلف مع الآخر ولو شهد بدل الواحد والواحد اثنان واثنان ثبت الأقل أيضاً وتعارضتا في الزيادة ولو شهد اثنان أن وزن الذهب الذي أتلفه نصف دينار وآخران أن وزنه دينار ثبت الدينار لأن مع شاهديه زيادة علم بخلاف الشهادة على القيمة فإن مدركها الاجتهاد وقد يقف شاهد القليل على عيب ولو ادعى عبداً في يد رجل وأقام بينة أنه ولد أمته لم يقض له بها فقد تلد قبل أن تملكها فإن شهدت أنه ولد أمته ولدته في ملكه فنص أنه يقضى له بهذه البينة وبه قطع الجمهور وخرج ابن سريج قولا لأنها شهادة بملك سابق والمذهب الدول لأن النماء تابع للأصل ولو شهدوا أن هذه الشاة نتجت في ملكه وهذه الثمرة حصلت في ملكه فهو كقولهم ولدته أمته في ملكه ولا يكفي نتاج شاته وثمر شجرته ولو شهدوا أن هذا الغزل من غزله أو الفرخ من بيضه والدقيق من حنطته أو الخبز من دقيقه كفى لأن ذلك عين ماله تغيرت صفته بخلاف ولد الجارية والشاة ولو أقام بينة على رق شخص وأقام المدعى عليه بينة أنه حر الأصل فبينة المدعي أولى لأن معها زيادة علم وهو إثبات الرق ولو ادعى ديناً وشهد به اثنان لكن قال أحدهما متصلا بشهادته إنه قضاه أو أبرىء منه فشهادته باطلة للقضاء وإن ذكره مفصولا عن الشهادة فإن كان بعد الحكم لم يؤثر وللمدعى عليه أن يحلف معه على القضاء والإبراء وإن كان قبل الحكم سئل متى قضاه فإن قال قبل أن شهدت فكذلك الجواب عند ابن القاص وذكر فيما إذا شهد على إقراره بالدين شاهدان ثم عاد أحدهما وقال قضاه أو أبرأه بعد أن شهدت أن شهادته لا تبطل بل يحكم بالدين ويؤخذ إلا أن يحلف المدعى عليه مع شاهد القضاء والإبراء والفرق أن هناك شهد على نفس الحق والقضاء والإبراء ينافيانه فبطلت الشهادة وهنا شهد على الإقرار والقضاء والإبراء لا ينافيانه فلا تبطل الشهادة وحكي وجه أن شهادته على نفس الحق لا تبطل أيضاً والصحيح الأول ويقرب من هذا الخلاف الخلاف فيما لو ادعى ألفاً وشهد له شاهدان بألف مؤجل لكن قال أحدهما قضى منه خمسمائة ففي وجه لا تصح شهادتهما إلا في خمسمائة أن يحلف لباقي الألف مع الشاهد الآخر وفي وجه تصح شهادتهما على الألف وللمدعى عليه أن يحلف مع شاهد القضاء وفي وجه ثالث لا يثبت بشهادتهما شيء لأنهما لم يتفقا على ما ادعاه ويقرب منه قولان عن ابن سريج فيما لو شهد اثنان أن فلاناً وكل فلاناً ثم قال أحدهما عزله بعد أن شهدت ففي قول تبطل ادعى شريكان فأكثر حقاً على رجل فأنكر يحلف لكل واحد يميناً فإن رضي بيمين واحدة ففي جوازه وجهان‏.‏

قلت الأصح المنع والله أعلم‏.‏

ولو شهد اثنان أنه أوصى بعتق غانم وهو ثلث ماله فحكم الحاكم بعتقه ثم رجعا عن الشهادة وشهد آخران أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلث ماله ولم يجز الورثة إلا الثلث قال البغوي يقرع بينهما فان خرجت القرعة للأول رق الثاني ويغرم الراجعان قيمة الأول للورثة وإن خرجت للثاني عتق ورق الأول ولا غرم على الراجعين لأنهما لم يتلقياه قال وعندي يعتق الثاني بلا قرعة وعلى الراجعين قيمة الأول للورثة ولو شهد رجل أنه وكله بكذا وآخر أنه فوضه إليه أو سلطه عليه ثبتت الوكالة ولو شهد أحدهما أنه قال وكلتك بكذا والآخر أنه أقر بوكالته لم يثبت شيء ولو شهد أحدهما أنه وكله بالبيع والآخر أنه وكله بالبيع وقبض الثمن ثبت البيع ولو ادعى رجل على رجل أنه اشترى منه هذا العبد ونقده الثمن وأعتقه وأقام به بينة وادعى آخر أنه اشتراه ونقد الثمن وأقام به بينة تعارضتا وذكر العتق لا يقتضي ترجيحاً على الصحيح وقيل يرجح لأن العتق كالقبض نص في الأم أنه لو ادعى دابة في يد غيره وأقام بينة أنها له منذ عشر سنين ونظر الحاكم في سنها فإذا لها ثلاث سنين فقط لم يقبل الشهادة لأنها كذب وأن المسناة الحائلة بين نهر شخص وأرض آخر يجعل بينهما كالجدار الحائل ولو ادعى مائة درهم على إنسان فقال قبضت خمسين لم يكن مقراً بالمائة وكذا لو قال قضيت منها خمسين ولو اختلف الزوجان في متاع البيت فإن كان لأحدهما بينة قضى بها وإن لم يكن بينة فما اختص أحدهما باليد عليه حساً أو حكماً بأن كان في ملكه فالقول قوله فيه بيمينه وما كان في يدهما حساً أو في البيت الذي يسكنانه فلكل واحد تحليف الآخر فإن حلفا جعل بينهما وإن حلف أحدهما دون الآخر قضي للحالف وسواء دوام النكاح أم بعد الفراق وسواء اختلفا هما أو ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر وسواء ما يصلح للزوج كالسيف والمنطقة أو للزوجة كالحلي والغزل أولهما ولو اختلف مالك الدار وساكنها بالإجارة في متاع الدار فالقول قول الساكن فان تنازعا في رف فيها نظر إن كان مسمراً أو مثبتاً فالقول قول المالك وإلا فهو بينهما نص عليه ولو تنازعا أرضاً ولأحدهما فيها زرع أو بناء أو غراس فهي في يده أو دابة أو جارية حاملا والحمل لأحدهما بالاتفاق فهي في يده أو دار لأحدهما فيها متاع فهي في يده فإن لم يكن المتاع إلا في بيت لم يجعل في يده إلا ذلك البيت هكذا ذكروه ولو تنازعا عبداً ولأحدهما عليه ثياب لم يجعل صاحب يد في العبد لأن منفعة الثوب الملبوس تعود إلى العبد لا إلى المدعي ولو قال رجل استأجرت هذه الدار من زيد سنة في أول رمضان وقال آخر استأجرتها منه سنة من أول شوال وأقام كل واحد بينة فقولان حكاهما الفوراني المشهور وبه قطع البغوي وغيره تقدم بينة رمضان لسبق تاريخها والثاني بينة شوال لأنها ناسخة ويحتمل أنهما تقايلا واستأجر الثاني في شوال ويجيء هذا في بينتي البيع على ضعفه‏.‏

قامت بينة أن هذا ابنه لا يعرف له وارثاً سواه وبينة أن هذا الآخر ابنه لا يعرف له وارثاً سواه ثبت نسبهما فلعل كل بينة اطلعت على ما لم تطلع عليه الأخرى‏.‏

 فصل فيما جمع من فتاوى القفال وغيره

إن الضيعة إذا صارت معلومة بثلاثة حدود جاز الاقتصار على ذكرها وهذا خلاف ما سبق في باب القضاء على الغائب من إطلاق ابن القاص قال القفال لكن لو ذكر الشهود الحدود الأربعة وأخطئوا في واحد لم تصح شهادتهم فترك الذكر خير من الخطأ لأنهم إذا أخطئوا لم يكن بتلك الحدود ضيعة في يد المدعى عليه وإذا غلط المدعي فقال المدعى عليه لا يلزمني تسليم دار بهذه الصفة كان صادقاً وإذا حلف كان باراً وإن لم ينكر وقال لا أمنعه الدار التي يدعيها سقطت دعوى المدعي فإن ذهب إلى الدار التي في يده ليدخلها فله أن يمنعه ويقول هي غير ما ادعيت فأما إذا أصاب في الحدود فقال لا أمنعك منها فليس له المنع إذا ذهب ليدخلها فإن قال ظننت أنه غلط في الحدود لم يقبل وإن قال إنما قلت لا أمنعك لأن الدار لم تكن في يدي يومئذ وقد صارت في يدي وملكي قبل منه وله المنع إذا حلف وفيه أن دعوى العبد على سيده أنه أذن له في التجارة لا تسمع إن لم يشتر ولم يبع شيئاً وإن اشترى ثوباً وجاء البائع يطلب الثمن من كسبه فأنكر السيد الإذن فللبائع أن يحلفه على نفي الإذن فإن حلف فللعبد أن يحلفه مرة أخرى ليسقط الثمن عن ذمته وإن باع العبد عيناً للسيد وقبض الثمن وتلف في يده فطلب المشتري تلك العين فقال السيد لم آذن له في البيع حلف فإن حلف حكم ببطلان البيع والعبد يحلفه لإسقاطه الثمن عن ذمته وأنه لو ادعى ألفاً وأقام به شاهداً وأراد أن يحلف معه فأقام المدعى عليه شاهداً بأن المدعي أقر أنه لا حق عليه فللمدعى عليه أن يحلف مع شاهده فإذا حلف سقطت دعوى المدعي وأنه يجوز للمالك أن يدعي على الغائب وعلى الغاصب من الغاصب فإن ادعى على الأول أنه يلزمه رد الثوب بصفة كذا أو قيمته كذا فليس على الغاصب أن يحلف أنه لا يلزمه لأنه إن قدر على الانتزاع لزمه الانتزاع والرد وإلا فعليه القيمة وأنهم لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها ولم يقولوا هي الآن ملك المدعي ففي قبول شهادتهم قولان كما لو شهدوا أنه كان ملكه أمس والمفهوم من كلام الجمهور قبولها وأنه لو ادعى قصاصاً فاقتص الحاكم برواية راو روى حديثاً يوجب القصاص في الواقعة ثم رجع الراوي وقال كذبت وتعمدت لم يجب القصاص عليه بخلاف الشهادة لأن الرواية لا تختص بالواقعة وأنه لو غصب المرهون من يد المرتهن قال الراهن في دعواه على الغاصب لي ثوب كنت رهنته عند فلان وغصبته منه ويلزمه الرد إلي ولو اقتصر على قوله لي عنده ثوب صفته كذا ويلزمه رده إلي جاز ولا بعد في قوله يلزمه رده إلي لأن يد المرتهن يد الراهن ولهذا لو نازعه رجل في المرهون كان القول قول الراهن وإن كان في يد المرتهن لأن يده وأن الغريب إذا دخل بلداً لا يجوز الشهادة بأنه حر الأصل إنما تجوز الشهادة أن فلاناً حر الأصل إذا عرف حال أبيه وأمه وعرف النكاح بينهما وتجوز الشهادة به وإن لم يشاهد الولادة كما تجوز الشهادة أنه ابن فلان وأنه لو ادعى داراً في يد رجل وأقام بينة أنه اشتراها منه وأقام صاحب اليد بينة أنه وهبها له ولم يتعرضا لتاريخ تعارضتا وتظهر فائدة اختلافهما إذا ظهرت مستحقة أو معيبة وأراد الرد واسترداد الثمن وأنه ادعى داراً في يد شخص وأقام بينة أنها ملكه فادعاها آخر وأقام بينة أنه اشتراها من رجل آخر يوم كذا ولم يقولوا إنه كان يملكها يومئذ لكن أقام بينة أخرى أنه كان يملكها يومئذ سمعتا وصارتا كبينة فيحصل التعارض بينهما وبين بينة المدعي الأول وأنه إذا ادعى داراً وأقام بينة أنها ملكه وتسلمها فادعاها آخر بعد مدة يسيرة أو طويلة وأقام بينة أنه اشتراها من المدعى عليه الذي كانت في يده وكان يملكها يومئذ قضي بالدار لهذا الأخير وكان كما لو أقام صاحب اليد البينة قبل الانتزاع منه فإنه لو كان بيده دار فادعى رجل أنه اشتراها من ثالث بعدما اشتراها الثالث من صاحب اليد وأنكر صاحب اليد فله أن يقيم بينة على البيعين وله أن يقيم على هذا بينة وعلى هذا بينة ولا بأس بالتقديم والتأخير وأن الشهود إذا أرادوا أداء الشهادة بشراء دار تبدلت حدودها بعد الشراء قالوا اشترى داراً من وقت كذا من فلان وهو يملكها وكان يومئذ ينتهي أحد حدودها إلى كذا والباقي إلى كذا ثم المدعي يقيم بينة بكيفية التبدل وأنه لو ادعى داراً في يد رجل وأقام بينة أنها ملكه فقال القاضي عرفت هذه الدار ملكاً لفلان وقد مات وانتقلت إلى وارثه فأقم بينة على ملكك منه فله ذلك وتندفع بينته وليكن هذا جواباً على أنه يقضي بعلمه وأنه لو ادعى داراً في يد رجل فقال المدعى عليه ليست الدار في يدي ولا أحول بينك وبينها فقد أسقط الدعوى عن نفسه فيذهب المدعي إلى الدار فإن لم يدفعه أحد فذاك وإن دفع ادعى على الدفع فلو قال المدعي إنه يكذب في قوله ليست في يدي ولا أحول لم يلتفت إليه وأنه لو باع داراً فقامت بينة الحسبة أن أبا البائع وقفها وهو يملكها على ابنه البائع ثم على أولاده ثم المساكين نزعت من المشتري ويرجع بالثمن على البائع والغلة الحاصلة في حياة البائع تصرف إلى البائع إن كذب نفسه وصدق الشهود فإن أصر على إنكار الوقت لم تصرف إليه بل توقف فإذا مات صرفت إلى أقرب الناس إلى الواقف ولو ادعى البائع أنه وقف لم تسمع بينته والتقييد بالبينة يشعر بسماع دعواه وتحليف خصمه وقال العراقيون تسمع بينته أيضاً إذا لم يكن صرح بأنه ملكه بل اقتصر على البيع وقال الروياني لو باع شيئاً ثم قال بعد وأنا لا أملكه ثم ملكته بالإرث من فلان فإن قال حين باع هو ملكي لم تسمع دعواه ولا بينته وإن لم يقل ذلك بل اقتصر على قول بعتك سمعت دعواه فإن لم يكن له بينة حلف المشتري أنه باعه وهو ملكه قال وقد نص عليه في الأم وغلط من قال غيره وكذا لو ادعى أن المبيع وقف عليه‏.‏

 فصل في فتاوى القاضي حسين رحمه الله

أنه لو ادعى عليه عشرة لا يلزمني تسليم هذا المال اليوم لا يجعل مقراً لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم وإن بينتي الملك والوقف تتعارضان كبينتي الملك وأنه لو ماتت وخلفت زوجاً وأخاً وأختان فادعى الزوج أن المتاع كله له جعل نصفين أحدهما للزوج بحكم اليد والثاني للميتة ويحلف الزوج على النصف الذي يجعل له باليد كما لو كانت حية فادعت الكل فإن كان الأخ غائباً والأخت حاضرة حلف لها فإذا حضر حلف له فإن أقامت الأخت بينة أن الكل لها ولأخيها سمعت وثبت حق الأخ وأن من حبسه القاضي لا يجوز إطلاقه إلا برضى خصمه أو ثبوت إعدامه فإن ثبت أطلقه وإن لم يرض خصمه وإذا أطلقه برضى الخصم فأراد إقامة بينة بإعدامه لم تسمع لأنه لا حبس عليه والحالة هذه بخلاف ما إذا استحق حبسه وأن حق إجراء الماء على سطحه أو أرضه أو طرح الثلج في ملكه يجوز الشهادة به إذا رآه مدة طويلة بلا مانع ولا يكفي قول الشهود رأينا ذلك سنين وإن كان ذلك مستند شهادتهم‏.‏

 

فصل سئل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله عن رجلين تنازعا داراً

فأقام أحدهما بينة أنها ملكه وادعى الآخر أنها وقف عليه ولم يقم بينة فحكم القاضي لمدعي الملك ثم ادعى آخر وقفها فأقام مدعي الملك بينة على حكم القاضي له بالملك وأقام مدعي الوقف بينة بالوقف فرجح الحاكم بينة الملك ذهاباً إلى أن الملك الذي حكم به تقدم على الوقف الذي لم يحكم به ثم تنازع مدعي الملك وآخر يدعي وقفيتها فأقام مدعي الملك بينة لحكم الحاكم له بالملك وتقديم جانبه وأقام الآخر بينة بأن الوقف الذي يدعيه قضى بصحته قبل الحكم بالملك وبترجيحه على الوقف هل يرتد حكم الحاكم بذلك فقال نعم يقدم الحكم بالوقف على الحكم بالملك وينقض الحكم بالوقف الحكم بالملك وسئل عمن اشترى ضيعة وبقيت في يده مدة فخرجت وقفاً وانتزعت فقال عليه أجرة المثل للمدة التي كانت في يده وعن رجل وقف ملكاً وأقر أن حاكماً حكم بصحته ولم يسم الحاكم ولا عينه ثم رجع عنه ورفع الأمر إلى حاكم يرى جواز الرجوع فهل له الحكم بنفوذ الرجوع قال لا‏.‏

 

فصل في فتاوى الغزالي أنه لو ادعى داراً

في يد غيره فقال عليه اشتريتها من زيد فأقام المدعي على إقرار زيد له بها قبل البيع فأقام المدعى عله بينة على إقرار المدعي لزيد بها قبيل البيع وجهل التاريخ قررت الدار في يد المدعى عليه وأنه إذا خرج المبيع مستحقا فادعى المشتري على البائع وقال سلمت إليه في مجلس العقد فأنكر وأراد إقامة البينة بأنه لم يقبض منه شيئاً في مجلس العقد لم تسمع هذه البينة لأنها تشهد بالنفي وإنما تسمع البينة بالنفي في مواضع الحاجة كالإعسار وقد يقع التسليم في غفلة ولحظة يسيرة وأنها إذا ادعت أنه نكحها وطلقها وطلبت نصف المهر أو أنها زوجة فلان الميت وطلبت الإرث فمقصودهم المال فيثبت برجل وامرأتين وبشاهد ويمين‏.‏

 

فصل في فتاوى البغوي أنه لو ادعى نكاحها

فأقرت بأنها زوجته منذ سنة ثم أقام آخر بينة أنها زوجته نكحها من شهر حكم للمقر له لأنه ثبت بإقرارها النكاح الأول فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني وأنه لو تحاكم رجل وامرأة بكر إلى فقيه ليزوجها به وجوزنا التحكيم فيه فقال المحكم حكمتني لأزوجك بهذا فسكتت كان سكوتها إذناً كما لو استأذنها الولي فسكتت وأنه لو حضر عند القاضي رجل وامرأة واستدعت تزويجها به وقالت كنت زوجة فلان فطلقني أو مات عني لا يزوجها ما لم يقم حجة بالطلاق أو الموت‏.‏

 

فصل أنكر الحلف بالطلقات الثلاث يحلف أنه ما قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً

عن ابن القاص إن من أنكر الحلف بالطلقات الثلاث يحلف أنه ما قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً ولا هي بائن منه بثلاث وقال الشيخ أبو زيد يكفيه أنها لم تبن منه بثلاث ووجه الأول أنه قد يحلف متأولا على مذهب الحجاج بن أرطاة وتابعيه أن الثلاث لا تقع مجموعة أو على تصحيح الدور ويجوز أن يقال إن قال لم تبن مني حلف عليه وإن قال لم أحلف بطلاقها حلف عليه‏.‏

حكى الهروي عن العبادي أن من ادعى عليه وديعة فقال لا يلزمني دفع شيء إليه لا يكون هذا جواباً لأن المودع لا دفع عليه إنما يلزمه التخلية والجواب الصحيح أن ينكر أصل الإيداع أو يقول هلك في يدي أو رددته وهذا يخالف كلام الأصحاب ألا تراهم يقولون من جحد الوديعة فقامت بينة بالإيداع فادعى تلفاً أو رداً قبل الجحود نظر إن كانت صيغة جحده إنكار أصل الوديعة أم قال لا يلزمني تسليم شيء إليك فإما أن يقدر خلاف أو يؤول ما أطلقوه‏.‏

قلت الذي قاله ابن القاص صحيح وتأويل كلامهم متعين وهو أنهم أرادوا إذا جرى منه هذا اللفظ فحكمه كذا لأن القاضي يقنع منه بهذا الجواب مع طلب الخصم الجواب والله أعلم‏.‏

وأنه إذا أقام بينة بأنه أجير فلان لحفظ سفينته هذه بدينار وأقام صاحب السفينة بينة أنه أجره إياها بدينار تعارضتا وأنه لو شهد عليه اثنان بالقتل في وقت معين وآخران أنه لم يقتل في ذلك الوقت لأنه كان معنا ولم يغب عنا تعارضتا وقد سبق من نظائر هذا ما يخالفه‏.‏

قلت يعني أن البينة الثانية شهدت بالنفي وقد سبق أن شهادة النفي لا تقبل إلا في مواضع الضرورة كالإعسار هذا مراد الرافعي هنا وقد تقدم في الفصل السابق عن فتاوى الغزالي ما يوافقه ولكنه ضعيف مردود بل الصواب أن النفي إذا كان في محصور يحصل العلم به قبلت الشهادة به وقد سبق ذكري لهذه المسألة في الشهادات والله أعلم‏.‏

وأن من أراد أن يدعي ويقيم البينة من غير أن يعترف للمدعى عليه باليد فطريقه أن يقول الموضع الفلاني ملكي وهذا يمنعني منه تعديا فمره يمكني منه وأنه لو شهد شاهدان أن الكلب ولغ في هذا الإناء ولم يلغ في ذاك وآخران بضده تعارضتا فلو لم يقولوا لم يلغ في ذلك فالإناءان نجسان وهذا شهادة على إثبات ونفي ويمكن التعارض بلا نفي بأن يعينا وقتاً لا يمكن فيه إلا ولوغ واحد‏.‏

قلت هذه المسألة ذكرتها في كتاب الطهارة مستوفاة مختصرة وفي هذا الذي ذكره العبادي فيها من إثبات التعارض تصريح بقبول شهادة النفي في المحصور كما سبق قريباً والله أعلم‏.‏

 

الباب السابع في دعوى النسب وإلحاق القائف

مقصود الباب الكلام في القائف وشرطه أما الاستلحاق وشروطه فسبق ذكره في كتاب الإقرار واللقيط وفي الباب ثلاثة أركان‏:‏ الركن الأول المستلحق وقد سبق في كتاب اللقيط أن المذهب صحة استلحاق العبد والعتيق دون المرأة على الأصح وسبق هناك جمل من أركانه‏.‏

الركن الثاني الملحق وهو القائف وليكن فيه صفات بعضها واجب قطعاً وبعضها مختلف فيه فيشترط فيه أهلية الشهادة فيكون مسلماً بالغاً عاقلا عدلا والأصح اشتراط حريته وذكورته وأنه يكفي واحد ونص عليه وقيل يشترط اثنان وأنه لا يشترط كونه من مدلج بل يجوز من سائر العرب ومن العجم قال ابن كج ولا يجوز أن يكون أعمى ولا أخرس قال ولو كان ابن أحد المتداعيين فألحقه بغير أبيه قبل وإن ألحقه بأبيه لم يقبل ولو كان عدو أحدهما فألحقه به قبل وإن ألحقه بالآخر فلا لأنه كالشهادة على العدو ولو كان القاضي قائفاً فهل يقضي بعلمه فيه الخلاف في القضاء بعلمه ويشترط كونه مجرباً وكيفية التجربة أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه ثم في نسوة ليس فيهن أمه فإذا أصاب في الكل صار مجرباً وقبل قوله بعد ذلك وهل تختص التجربة بالأم أم يجوز أن يعرض عليه المولود مع أبيه في رجال وجهان الأصح المنصوص الثاني وبه قطع العراقيون وغيرهم لكن العرض مع الأم أولى وأما تكرار العرض ثلاثاً فقد جعله الشيخ أبو حامد وأصحابه شرطاً وقيل يكفي مرة وقال الإمام لا معنى لاعتبار الثلاث بل المعتبر غلبة الظن بأقواله عن خبرة لا عن اتفاق وهذا قد يحصل بدون الثلاثة وإذا حصلت التجربة اعتمدنا إلحاقه ولا تجدد التجربة لكل إلحاق‏.‏

ويعرض على القائف في موضعين أحدهما أن يتنازع اثنان مولوداً مجهولا من لقيط أن غيره فيعرض على القائف كما سبق في اللقيط والثاني أن يشترك اثنان فأكثر في وطء امرأة فتأتي بولد لزمان يمكن كونه منهما ويدعيه كل منهما فيعرض على القائف ويتصور الاشتراك في الوطء على الوجه المذكور من وجوه منها أن يطأها كل منهما بالشبهة بأن يجدها بفراشه فيظنها زوجته أو أمته فلو كانت في نكاح صحيح فوطئت بشبهة فوجهان قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ يلحق الولد بالزوج لأنها فراشه والفراش أقوى من الشبهة كما لو طلقها وانقضت عدتها ونكحت وولدت تلحق بالثاني وإن أمكن كونه من الأول لأنها فراش الثاني والأصح على ما ذكره الروياني وغيره وبه قطع الإمام أنه يعرض على القائف ويكون لمن ألحقه به بخلاف صورة الاستشهاد لأن العدة أمارة ظاهرة في البراءة عن الأول وهنا بخلافه‏.‏

ومنها أن يطأ زوجته في نكاح صحيح ثم طلقها فيطأها آخر بشبهة أو في نكاح فاسد بأن ينكحها في العدة جاهلا بها‏.‏

ومنها أن يطأها اثنان في نكاحين فاسدين وأن يطأ الشريكان المشتركة وأن يطأ أمته ويبيعها فيطأها المشتري ولا يستبرئ واحد منهما فإذا وطئ اثنان في بعض هذه الصور في طهر فولدته لما بين أربع سنين وستة أشهر من الوطأين وادعياه جميعاً عرض على القائف فإن تخلل بين الوطأين حيضة فهي أمارة ظاهرة في حصول البراءة عن الأول فينقطع تعلقه إلا أن يكون الأول زوجاً في نكاح صحيح والثاني واطئا بشبهة أو نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء والإمكان حاصل بعد الحيضة وإن كان الأول زوجاً في نكاح فاسد ففي انقطاع تعلقه بتخلل الحيضة قولان أظهرهما الانقطاع لأن المرأة لا تصير فراشاً في النكاح الفاسد إلا بحقيقة الوطء وسواء كان المتنازعان والواطئان مسلمين وحرين أو مختلفي الحال‏.‏

 

فصل لو استلحق صبياً في يده أولا

في يده فبلغ وانتفى منه هل يندفع نسبه فيه وجهان سبقا في الإقرار واللقيط فإن استلحق بالغاً فأنكر فقد سبق أنه لا يلحقه وإلحاق القائف والحالة هذه ليس بحجة فلو سكت البالغ فقد ذكر الغزالي أنه يلحقه القائف وهذا لم أجده لغيره إذا لم يكن هناك إلا واحد عليه لكن لو ادعاه اثنان في موضع الاشتباه فسكت عرض على القائف فلو وافق أحدهما لحقه ولا يقبل قول القائف بخلافه ولو ادعى اثنان صبياً مجهولا ففيه تفصيل سبق في اللقيط‏.‏

ادعى نسب مولود على فراش غيره بسبب وطء شبهة فإن قلنا لا أثر له إذا كانت المرأة فراشاً لزوج والولد ملحق بالزوج لم تسمع دعواه وإن قلنا له أثر لم يكف اتفاق الزوجين عليه بل لا بد من البينة على الوطء لأن للولد حقاً في النسب واتفاقهما ليس حجة عليه فإذا قامت البينة عرض على القائف فإن كان المدعي نسبه بالغاً واعترف بجريان وطء الشبهة وجب أن يكفي وإذا استلحق مجهولا وله زوجة فأنكرت ولادته فهل يلحقها باستلحاقه وجهان الصحيح لا لجواز كونه من وطء شبهة أو زوجة أخرى ولو استلحق مجهولا وله زوجة فأنكرت ولادته واستلحقته امرأة لها زوج فأنكره فهل أمه الأولى أم الثانية أم يعرض على القائف فيلحقه بإحداهما فيه أوجه ولو كانت الصورة بحالها وأقام كل واحد بينة فهل بينته أولى من بينتها أم يتعارضان أم يعرض على القائف فإن ألحقه بالرجل لحقه ولحق زوجته وإن ألحقه بالمرأة لحقها دون زوجها فيه أربعة اوجه حكاها الصيدلاني عن ابن سريج‏.‏

 

فصل إذا لم يجد قائفاً أو تحيرا وألحقه بهما

أو نفاه عنهما وقفناه حتى يبلغ فإذا بلغ أمر بالانتساب إلى أحدهما بحسب الميل الذي يجده فإن امتنع حبس ليختار وإذا اختار كان اختياره كإلحاق القائف وإن قال لا أجد ميلا إلى أحدهما بقي الأمر موقوفاً ولا عبرة باختياره قبل البلوغ وقيل يخير المميز وقد سبق هذا في اللقيط ولو ألحقه القائف بأحدهما ثم رجع وألحقه بالآخر أو ألحقه بآخر قائف آخر لم يقبل قوله على الصحيح وقيل إذا ألحقه قائف بهذا وآخر بذاك تعارضاً وصار كأن لا قائف وأنه إذا رجع القائف فإن كان بعد الحكم بقوله لم يلتفت إليه وإن رجع قبله قبل رجوعه لكن لا يقبل قوله في حق الآخر لسقوط الثقة بقوله ومعرفته‏.‏

فرع إذا ألحقه بهما قال القفال يستدل بذلك على أنه لا يعرف الصنعة فلا يعتد بقوله بعده حتى يمضي زمان يمكن التعلم فيه فيمتحن حينئذ ثم يعتمد‏.‏

فرع إذا كانا توأمين فألحق القائف أحدهما بأحدهما والآخر بالآخر فهو كما لو ألحق الواحد بهما

فرع إذا انتسب المولود إلى أحدهما ثبت نسبه منه ولا يقبل رجوعه وإن انتسب إليهما لغا وأمر بالانتساب إلى أحدهما ولو اختلف التوأمان في الانتساب لم يعتبر قولهما فإن رجع أحدهما إلى

 

فصل إذا وطئا في طهر فأتت بولد

يمكن كونه منهما فادعاه أحدهما وسكت الآخر أو أنكر فقولان أحدهما يختص بالمدعي كمال في يد اثنين ادعاه أحدهما دون الآخر يجعل له وأظهرهما يعرض على القائف لأن للولد حقاً في النسب فلا يسقط بالإنكار وإن أنكراه معاً عرض ولا تضييع لنسبه‏.‏

فرع نفقة الولد إلى أن يعرض على القائف وفي مدة التوقف إلى الانتساب تكون عليهما فإذا ألحق بأحدهما رجع الآخر عليه بما أنفق وهل تجب النفقة في حال الاجتنان يبنى على أن الحمل هل يعلم إن قلنا يعلم فنعم وإلا فلا فإن أوجبناها فكان أحدهما زوجاً طلق والآخر وطئ بشبهة فإن قلنا النفقة للحامل فهي على المطلق وإن قلنا للحمل فعليهما حتى يظهر الأمر وإن أوصى للطفل في وقت التوقف فليقبلاها جميعاً‏.‏

فرع إذا مات الولد قبل العرض فإن تغير فقد تعذر العرض وإلا فإن دفن لم ينبش وإلا فوجهان أصحهما يعرض لأن الشبه لا يزول بالموت والثاني لا لأن القائف قد يبني على الحركة والكلام ونحوهما مما يبطل بالموت ولو مات أحد المتداعيين عرض أبوه أو أخوه أو عمه مع الولد ذكره البغوي‏.‏

فرع من الرعاة من يلتقط السخال في الظلمة ويضعها في وعاء فإذا أصبح ألقى كل سخلة إلى أمها ولا يخطئ لمعرفته فقال الاصطخري يعمل بقول هذا الراعي إذا تنازعا سخلة والصحيح المنع وإنما تثبت القيافة في الآدمي لشرفه وحفظ نفسه‏.‏

فرع لو ألحقه قائف بأحدهما بالأشباه الظاهرة وآخر بالآخر بالأشباه الخفية كالخلق وتشاكل ولو ادعاه مسلم وذمي وأقام أحدهما بينة تبعه نسباً وديناً وإن ألحقه القائف بالذمي تبعه نسباً لا ديناً ولا يجعل حضانته للذمي ولو ادعاه حر وعبد وألحقه القائف بالعبد ثبت النسب وكان حراً لاحتمال أنه ولد من حرة وبالله التوفيق‏.‏